كانت حصة احياء مملة في جو ساخن سنة 1995, جهاز التكييف خربان وكنا متعشمين يطلعونا من الحصة, كنت في عمري ال17 ووقتها حصلت رخصة قيادة بالاستثناء, غمز لي رفيجي مبارك نطلع من الحصة ونروح نتمشى في شارع السد! ماترددت ولا لحظة وطلعت انا قبل ونطرته في السيارة وعقبها بدقايق لحقني وقال لي خلني انا اسوق, وطلعنا نتمشى حتى موعد نهاية الحصة السادسة نزلته عند باب المدرسة ورجعت البيت على اني خلصت اليوم الدراسي. لقيت خالتي سلوى الله يرحمها تنطرنا انا ونوف اختي نجهز للغداء, ماقالت ولا كلمة حتى خلصنا الغداء سالتني: شلون كانت المدرسة اليوم؟ قلت الحمدلله كل شي تمام! قالت حضرت كل الحصص؟ عرفت هني انها شافتني شارد وقالت انها شافتني لانها طلعت قبل تخلص مواعيد لها وشافتني هي وبوجابر زوجها. من الحرج ماعرفت شلون ارد عليها, كانت ايام ثانوية عامة وقريب ايام الاختبارات النهائية, خصوصا اني تحت مسؤولية كبيرة على عاتقها اننا ننجح ونخلص الثانوية واحنا في بيتها. قالت لي: خالد انا اول شي بكلمك عن شخصيتك! وين كانت شخصيتك لما تخلي رفيجك اللي ماعنده رخصة يسوق وانت قاعد مرتز حذاه؟ شنو بتسوي لو سوى حادث لأن انت بتكون المسؤول شنو بتسوي لو ابوه شافكم؟ بيقول انت صديق السوء! والشي الثاني لازم تعرف ان سمعتك هي سمعتي! سمعتك تسقط هي سمعتي اسقط امام امك وابوك في اليابان! اذا ترضاها على نفسك فانت ترضاها علي!… كانت هذه احدى الدروس اللي تعلمتها من خالتي سلوى الله يرحمها

انا قاعد اليوم اكتب هذه القطعة من بيتنا في المانيا وامامي الكنبة اللي المرحومة كانت تجلس عليها كل يوم بالليل انا وهي وامي قبل سنتين بس بعد كل يوم طبخ عشاء من يدها ويد امي, نشوف مسلسلات قديمة مثل بكيزة وزغلول ونضحك وكأننا اول مرة نشوف المسلسل, ويمكن الذكريات المرتبطة بهذا المسلسل هي اللي تضحكنا اكثر من المشاهد نفسها, يومها اللي طردتني من المطبخ لما حبيت اساعدهم وقالت احنا هني هالاسبوعين بس نخدمك وتحت امرك! هذه زاوية وحدة من زوايا كثيرة تركت لها اثر بتواجدها فيها في كل مكان, بيتنا هني بيتنا في قطر بيت جدي او المزرعة. وبالتأكيد بتكون ذكرى بقدر ماهي جمبلة الا انها مؤلمة. اكتب هذه السطور وانا عاجز عن فعل اي شي لمواساة اهلي اللي خليتهم في قطر ووصولي هني في يوم وفاتها

قصرت وايد في السنوات الاخيرة في صلة الرحم بسبب السفر والعمل في الخارج ولكن جزء كبير مني كان يسحبني من اني اشوفها في حالة المرض حتى اللحظة اللي التقيت فيها في المستشفى و22 دقيقة قبل دخولها غرفة العمليات, وقفت امامها عاجز عن الكلام ممنوع من احتضانها وتقبيل راسها بسبب التعقيم الخاص قبل دخول غرفة العمليات, نظرة عيني تكلمت ونظرة عينها ردت! كانت لحظات وثواني قصيرة جدا الا انه كان حوار طويل وكافي اني اعرف ان مهما كان هي امي اللي تسامحني على غيابي. عيني قالت: سامحيني يا يما وردها علي بنظرتها اللي تنظر في عمق العيون فهمتها كلها وفهمت انها راضية علي واني مهما يصير ولدها. صباح اليوم وانا ادور في مراسلاتنا سمعت منها اخر رسالة صوتية كنت اعتذر منها عن غيابي وانقطاعي وقالت وكأنها توجه لي الكلام هذا اليوم:

“الله يحفظك حبيبي ولا يهمك يا يما بتم غالي لو شنو يصير, انت مثل ولدي واغلى من ولدي بعد, الله يحفظك ياربي ويسهل دربك ان شاء الله, مب مشكلة فديتك, دام مع عيالك خلاص بالدنيا كلها. الله يحفظك يا يما ويسهل دربك يارب”

في ليلة الجمعة 18 رمضان انطفت شمعة من حياتنا كلنا, شمعة نورت مب بس طريقنا وطريق عيالنا, بل نورت طرق اجيال كثيرة تربوا اولا وتعلموا ثانيا على يدها, واولهم انا واختي نوف وعيالها وكل شخص هي الهمته, لكن هذه الشمعة في الواقع بتكون مضيئة لسنوات طويلة! الى الجنات الخالدة يارب

ولدج خالد