كانت الساعة 4 الفجر وانا للحين مواصل وسهران من اليوم اللي قبله لأن جدتي الله يرحمها غصبتني انام على الساعة 1 بالليل, ومن الحماس ليوم العيد ما رقدت كلش, كنت نايم جنب جدتي في نفس السرير وطول الليل انا مسوي نفسي نايم حتى صحت علشان تصلي صلاة الفجر, كان الهدوء شديد غير صوت الساعة الذهبية اللي معلقة على الطوفة وصوت تسبيح جدتي في صلاتها, وكنت أحاول اشوف الساعة وأتساءل اذا صارت الساعة 5:30 ولا للحين؟ كنت أحاول اشوف الساعة وعيني جات على اليسار على ثوبي المعلق وغترتي اللي اول مرة بلبس غترة في حياتي في هذا اليوم بالتحديد. في رمضان من هذيك السنة كانت اول مرة اسهر فيها حتى الفجر واشوف شروق الشمس وانا للحين سهران, كنا انا واختي نقعد جدام الدريشة وننتظر النهار يطلع والشمس تشرق وبعدها نروح ننام بعد حماس اللحظة هذه.

مع انها صارت الساعة 5 ونص بس ماكنت حاب اجازف واقوم من السرير بعد علشان ماتهاوشني, تميت فترة في السرير حتى سمعت صوت جدي الله يرحمه يسولف معاها وهني جاتني الشجاعة اني أقوم واروح لهم! وكان جدي بملابس العيد يتهيأ لصلاة العيد ويشرب بيالة شاي, وانا من كثر الحماس لبست ثيابي وطلعت لهم على أساس بروح اصلي معاه في المصلى, ولكن جدتي قالت لي لازم تتسبح قبل مع اني حاولت اقنعها اني تسبحت بالليل لعد مارجعت من الحلاق, هي أصرت وقالت سبوح العيد لازم! مما ضيع علي فرصة اني اروح صلاة العيد مع جدي مثل ماوعدني.

حماس العيد بالنسبة لنا كأطفال كان دايما مرتبط بتجمعات العايلة, طلعاتنا في الفريج نجمع العيادي في بيوت الجيران بملابسنا الجديدة, زيارات الأقارب ووين مانروح نحصل فوالة العيد من مكسرات وحلويات وكيك والاهم منهم العيدية! باختصار يعتبر العيد اسعد وأهم مناسبة في السنة في العالم العربي والإسلامي وهالمناسبة تخلي الكثيرين يصرون على انهم يقضونها في بلدانهم, وكل ذكرياتي المرتبطة بالعيد كانت ذاكرتي تاخذني للفترة اللي عشت فيها في بيت جدي الله يرحمه لأن اسعد لحظاتي في العيد كانت هناك.

سنة بعد سنة, جدتي الله يرحمها توفت وكأنها اخذت معاها بريق العيد وبركته, وهالشي خلاني احس العيد ماعاد له طعم كما كان في بيتها, مع ان جدي الله يرحمه ظل عايش سنين بعدها وفي نفس البيت, بس حلاة هذا اليوم ماعادت مثل قبل حتى وصلت المرحلة الجامعية وابتعثت للدراسة في الخارج ومنها قضيت بعض سنوات العيد بين لندن وألمانيا وحتى بعد رجوعي للوطن, ماعدت استمتع بالعيد كما كنت في طفولتي, كنت ادور أي عذر علشان اقضي العيد برا قطر وكنت اعتبر إجازة العيد فرصة رائعة لسفرة قصيرة في أي مكان في العالم الا قطر! فظليت اتهرب من العيد واسافر حتى بدأ شغفي في عالم الدراجات النارية.

ومن سنة 2015 ماقضيت ولا يوم عيد في قطر وماكنت أصلا احس بعدد السنوات اللي تمضي وانا اعيد في الخارج، كنت دايما متجول بدراجتي في مكان ما حتى فقدت لذة وقيمة يوم العيد من الأساس لدرجة صرت اعتبره يوم عادي كباقي الأيام بس الفرق يحتفلون فيه احتفال ومجاملات مملة نلبس فيها ملابس كشخة جديدة وخلاص ونوزع عيادي على اليهال! ولكن، فقط في هذه السنة قررت اقضي العيد في الدوحة واعيش تجربة قضاء العيد من جديد وكأنها اول مرة من بعد 10 سنين في الخارج حبيت اقضيه مع امي وابوي وبناتي!

في فجر العيد صحيت على صوت تكبيرات العيد في الجامع اللي ورا بيتي, التكبيرات هذه اللي من سنين ماسمعتها, دخلت في قلبي بقوة نثرت الغبار عن ذكريات جميلة من  طفولتي وبدأت معاي مشاعر مختلطة تذكرت فيها اللحظة اللي كنت في سرير جدتي اترقب بتردد طلوع النهار علشان ابدأ اعيد او اكمل مسوي نفسي نايم! التفتت جهة الدريشة وانا اسمع التكبيرات لقيت ثوبي وغترتي معلقين. وبالضبط في نفس جهة اليسار لما كنت صغير, وفجأة نما عندي نفس الحماس المرتبط بالعيد وكأنه كان في سبات عميق وصحى من نومه, صحيت بأسرع من البرق ابدل واورح اقعد في المجلس مع ابوي واستقبل المهنئين معاه, وكان كل همي اني أوصل قبله علشان يشوفني في انتظاره, وبكل تأكيد هو يبغي أي حد من عياله معاه يوجب في الناس ويستقبلهم وكنت بالضبط الساعة 6 الصباح جالس جنبه في هذه اللحظة اللي ماعشتها من سنين طويلة! كنت مستمتع في كل لحظة من هذا اليوم وكنت اقضي يوم العيد بكل فخر ونفس الحماس لما كان عمري 7 سنوات والفرق اني كنت اشوف بناتي فجأة كبروا امامي بلبس وكشخة العيد, حتى وقت الغدا ورجعت بيتي وانا مخي مافيه الا ذكريات كانت مختفية وفجأة طفت على سطح ذاكرتي.

كما العادة, في نهار العيد الكل يدخل في غيبوبة العيد بعد الغداء خصوصا بعد شهر كامل من النوم المتلخبط والاكل الدسم في الليل والوجبات الثقيلة اللي متعودين ناكلها بس في رمضان واللي يغير النظام والجدول كاملين. انا صحيت من هذه الغيبوبة تقريبا شوي قبل الظلام وظليت في السرير اشوف التلفزيون على قناة الريان القديم, وكانوا حاطين أغاني الثمانينات ولقطات من الأطفال في هذاك الوقت ومقابلات مختلفة لاطفال وصور من الفرجان في الزمن الجميل, لاشعوريا حسيت بالدمعة في عيني وانا استرجع هالذكريات اللي دفنتها بايديني في بوم ما! تميت اتحسر على الأيام اللي قضيتها في الخارج تجنبا لقضاء العيد في الدوحة مع الاسرة والأصدقاء، بكل تأكيد ابوي كان يبيني أكون بجنبه في كل عيد, اخذه معاي في جولات الزيارات في العيد ولا امي اللي تحب تشوفني ادخل عليها وأبوس راسها او بناتي يتباهون بكشخة العيد لابوهم.

في المجلس العائلي, حسيت نفسي نوعا ما في عزلة وانا اراقب هالشباب من الاسرة اللي كانوا قبل كم سنة أطفال صغار في وسطنا واليوم هم اللي متسيدين المجلس وانا في وسطهم هذاك (العم) المغترب الغريب اللي قرر يختفي من كم سنة وفجأة رجع, ومن هالشباب قليل من كلمني وقالي انه يعرفني فقط من خلال رحلاتي وجولاتي بالدراجة

تقريبا يومين بعد العيد, دخلت في مقابلة إذاعية مع إذاعة قطر وكنت أتكلم عن تجربتي كرحالة مع العيد في الدول والثقافات المختلفة وكان السؤال الأخير لي: وين تحب او تشتاق تقضي العيد من البلدان اللي زرتها قبل؟ وفجأة رجعت لهذيك المشاعر المختلطة في يوم العيد وقلت ما في احسن من العيد في قطر, قطر و قطر وقطر, ما في مكان في العالم يضاهي قضاء العيد في قطر ووسط لمة العايلة. نا أتمنى من كل شخص يسمعني ان لا يفوت العيد في قطر اما السفر فلاحقين عليه في كل أيام السنة, ندمت أشد الندم اني قضيت عشر سنوات بدون أي عيد اقضيه في وسط اسرتي, الان  اللي نحبهم ونعزهم ووالدينا طالما عايشين لاتفوتون أي لحظة بعاد عنهم, شاركوهم هذه الفرحة ولاتحرمونهم منها لأن لو تركوا عالمنا راح نندم أشد الندم, كنت أتكلم وصوتي بدا يهتز ويختفي لأن خنقتني العبرة ودمعتي نزلت!

الشكر والحمد لله ان امي وابوي مازالوا عايشين وبعد عمر طويل يارب وانشالله اقضي معهم أعياد كثيرة قادمة, فوعدت نفسي اني مافوت أي عيد خارج قطر بعيد عنهم